الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

إلى طفلي الذي حرمه أهله من حفل التخرج لأن الفن حرام!

طفلي

أعتبر كل الطلاب أمانة في عُنقي، لذلك أدعوه بطفلي لأن هذه كانت مشاعري ناحيته هو ورفقائه الصغار. كنت أعيره اهتمامًا أكبر لانطوائيته وخجله المتزايد الذي لم أفهم له سببًا حينها. كان ضئيل الحجم مقارنة بزملائه بالفصل، قليل الكلام والحركة على غير طبيعية معظم الصبيان بسنه.

بدأت الحواديت تتنقل عن الطفل الذي يعترض أهله على أغاني المدرسة، كنت أظن أن لديهم ملاحظات على طبيعية ما يقدم فيها، ولكن كانت المفاجأة أن اعتراضهم جاء على الموسيقى بالأغاني، فهم يريدون أغاني بلا موسيقى.

عرفت من الزميلات أن الإدارة شرحت لهم أن هذه الأغاني لابد منها كي تساعد الطفل على التعلم، ولا مجال لابتكار أغاني بعينها بدون موسيقى من أجل قناعاتهم وانتهى الأمر على ذلك وعلمت أن ابنهم هو طفلي الخجول الذي أحاول أن أزرع فيه الثقة بالنفس دائمًا.

مرت السنة بسرعة ولم نسمع منهم شكاوى أخرى، وجاء وقت وداع الطلاب للمدرسين والتدريب على حفلة تخرج مرحلة رياض الأطفال، وبهذا الوقت من العام تبدع كل مدرسات المدرسة في اختيار استعراضات تميز فصلها.

كنت المسؤولة عن الاستعراض الخاص باللغة العربية، فكتبت عرضًا مسرحيًا لطيفًا يتناسب مع سنهم نال إعجاب الإدارة والزميلات، وكان طفلي الخجول من هؤلاء الأطفال الذين تحمسوا للعرض.

احترت في البداية معه واخترت له الدور الذي يتناسب مع طبيعة شخصيته ولا يحمل الكثير من الجمل التي ربما تربكه على مسرح المدرسة وتسرق منه سعادته بالعرض والحفلة كلها. وتحمس لدوره البسيط وقمت بتدريب الأطفال لفترة طويلة على المسرحية وكانوا جميعًا على استعدادٍ تام للحفل، ولكن حدث ما لم أتوقعه.

جاءت أسرة الطفل تعتذر عن حضوره المسرحية واشتراكه بحفلة التخرج كلها!..لن أنسى بحياتي شكل هذا الطفل المسكين أثناء اعتذار الأسرة عن حضوره، كان مطأطأً رأسه لأسفل ينظر للأرض ويرفع عينه لثوان معدودة بحزن الأطفال الذي لا تستطيع الصمود أمامه ولكن مع ذلك أصرت الأسرة على رأيها.

عرفت فيما بعد أنهم رأوا أن هذه الحفلة بها الكثير من المحرمات!.. المسرحية التي كتبتها بما يتضمنها من تمثيل، والأغاني التي سيقدمها الأطفال سويًا، وعندما وافقوا على الأغاني ببداية العام كان هذا من باب الاضطرار ليس إلا، ولكن الآن الأمر اختياري لذلك قرروا سحب الطفل من حضور الحفل في موقف لن ينساه بحياته، حيث قام كل أطفال الفصل بالاحتفال عداه في ذكرى جميلة.

تمر السنون وأنا أشعر أن علي الاعتذار له على الرغم من أنني لم يكن بيدي ما أقدمه تجاهه، فإن كنت أشعر أن هذا طفلي فبالنهاية هم أهله الحقيقون، ولكن ربما تصله رسالتي الآن بشكل ما ولغيره من الأطفال حيث لا فائدة مع الكبار في مثل هذه الأمور مع الأسف.

عزيزي:

“إن كان أهلك مازالوا يحرمونك من الاشتراك بحفلات المدرسة ووقفوك على المسرح فسوف يأتي اليوم الذي سيكون فيه قرارك بيدك وأمامك المسرح كي تدخل عالمه وتجربه ربما تجد نفسه فيه أو تتجه اتجاهًا آخر، المهم بالأمر أن تختار مصيرك بيدك يا صغيري، ففي الفن شفاء للقلب وطهارة للروح التي تشتاق لكل جديد بهذا العالم الرائع، وإلا فلم فطرنا الله بمواهب متعددة؟..مواهب تضيف لهذا العالم الموحش ألوانًا جميلة جديدة تعيننا على ما نواجهه يوميًا من مصاعب وتثبت إيماننا الذي يحاولون إقناعك أن الفن ربما يؤثر عليه سلبًا!..أو يزيد سيئاتك..

اعلم أن السيئة هي عدم محاولاتنا الدائمة البحث عن أنفسنا من خلال التجربة، وتذكر أن الشرور توجد في كل مكان وأنت من عليك اختيار الطريق الصحيح، وأن قلبك هو بوصتلك الحقيقة للإجابات في هذا العالم الذي يستطيع فيه الناس قلب الحقائق بسهولة وأصابتك بالتخبط والتشوش، فقد كان من دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام بسورة الشعراء:

ولا تُحزني يَومَ يُبعَثُون (87) يَومَ لا يَنفع مال ولا بَنون (88) إلَّا مَن أَتَى الله بقلبٍ سَليم (89)

فحافظ على سلامة قلبك كي يوجهك إلى الوجهة الصحيحة عندما تكون الصورة ضبابية والاختيار دائمًا بين يديك…وأنا مؤمنة إن كان قلبك سليمًا لن يخذلك أبدًا.

معلمتك المُخلصة إسراء سيف




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا