الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

طق حنك عن السينما والتاريخ

عام 1994 قدم كوينتن تارانتينو فيلم pulp fiction، وبعيدا عن الفيلم كعمل فني، تارانتينو قدم وقتها نموذج مغاير ومختلف للسرد السينمائي، نموذج ظل يقدمه ويطوره بعدها في أفلام وأفلام، نموذج اعتمد في الأساس على سرد نفس الحدث بوجهات نظر مختلفة وهذا امر يشبه التاريخ.

التاريخ او التأريخ لو شأنا الدقة، هو سرد وقائع حقيقية حدثت في الماضي لكي يعرفها الأجيال الجديدة، ولكن من يؤرخ هو إنسان فهو بالطبع يضع وجهة نظرة في الحدث الذي يرويه سواء جاء هذا بقصد وتعمد أو بضغط من سلطة حاكمة، أو جاء عفويا، ولكن في النهاية ستجد نفسك تقرأ كتاب تاريخ يحمل الحدث من وجهة نظر راويه.

ومثال على ذلك، نحن حتى هذه اللحظة نروي نفس الاحداث التي عشناها بوجهات نظرنا، فيوم 28 يناير مثلا كلا منا يرويه بنظرته للأمور، رغم ان الاحداث ثابته لا تتغير ولكن، يمكن لتلك الرؤية أن تؤثر في المستمع فإذا كنت تعتبرها ثورة بالطبع ستروي الأحداث من تلك الرؤية فغالبا سينحاز المستمع إلى رؤيتك، بينما إذا كنت تعتبرها مؤامرة فسترويها من هذا الاتجاه، مثلما فعل معنا أباءنا سابقا وهم يحكون عن التجربة الناصرية أو حرب أكتوبر أو أو أو.

منذ فترة طويلة ربما ما يزيد عن عام، كانت هناك إحدى الندوات حملت عنوان ” كيف شوهت السينما التاريخ”، سينما تاريخ؟ ما علاقة الاثنان ببعضهما البعض؟، كان المحاضر الذي للأسف لم أعد أتذكر اسمه، يقول طيلة الندوة أن على السينما ان تلتزم حرفيا بما جاء في التاريخ، واستخدم أفلام ” روائية” مثل الناصر صلاح الدين وفيلم وا إسلاماه، للتدليل على أن السينما حرفت التاريخ.

وبعيدا أن التاريخ هو وجهة نظر المؤرخ في الأحداث، فقد لفت نظري هذا الحديث لأمر بالغ الأهمية، الناس تتعامل مع السينما على أنها وثائق تاريخية، ربما يكون هذا صحيح إذا اعتبرنا أن السينما يمكن ان تؤرخ لحالة مجتمع او قضايا مجتمعية أو حتى شكل المدن في تلك الفترة او شكل الملابس، لكن حينما تروي السينما أحداثا تاريخية، فهي هنا لا تقدم حدث تاريخي بل تقدم دراما، تستخدم فيها حدث تاريخي والفرق كبير.

الفيلم الروائي، هو فيلم تحركه الدراما أو الحدث لطرح أفكار أو رؤى أو مشاعر لدى صناعه، الأساس هنا أن تكون الدراما متماسكة كما يريدها الصانع، لذلك لا قدسية للتاريخ هنا، فمن حق الصانع السينمائي أن يتدخل في التاريخ بالإضافة أو الحذف أو إضافة شخصيات وأحداث أو حذف شخصيات وتغيير أحداث بل وأن يتطرف ويغير نهاية الحدث التاريخي من الأساس، طالما أن هذا يخدم دراماه الخاصة، وطالما أنه أراد ذلك.

السينما هنا روائية، أي أن الاختلاق سيد الموقف، فإذا كان المشاهد يبحث عن رواية تاريخية تحكي التاريخ بشكل أقرب لما حدث، فهناك السينما الوثائقية، سيجد فيها ما يسعى إليه، ولكن ان يتهم فيلما روائيا أنه يزور التاريخ ويشوهه فهذا امر، لا يتحمله صانع الفيلم الروائي.

وللدلالة على هذا دعنا نتأمل مرة أخرى فيلم Inglourious Basterds، لكوينتين تارانتينو والذي صدر عام 2009، ستجد ان صناع الفيلم أنهو الحرب العالمية الثانية بموت هتلر في حادثة اغتيال عام 1943 تقريبا، وهو ما يخالف التاريخ الذي نعرفه جميعا عن انتحار هتلر، ولكن هنا الدراما كانت الحكم، فدراما الفيلم تريد موت هتلر في هذا الوقت وبهذه الطريقة إذا يصبح حكم الدراما نافذا.

التاريخ يمكن ان تتلقاه من الكتب أو الأفلام الوثائقية، وبعيدا عن جدلية هل هذا هو التاريخ الذي حدث بالفعل أم لا، فعدم قدرتك على تتبع تلك المسارات الطبيعية لمعرفة التاريخ واعتمادك على الأفلام الروائية، في تحصيل المعلومة التاريخية، هو امر للأسف يدينك أنت ولا يدين صناع السينما في شيء.




 تعليقاتكم

  1. فى ناس بسيطة جداً مابتعرفش تقرا وصعب عليهم حكاية الأفلام الوثائقية وعلشان كده بتوصلهم المعلومة عن طريق حكاية زى زمان كدا لما كانوا يقعدوا يسمعوا الحكايات على القهاوى زى حكاية ابو زيد وعنترة وحكايات كتير ومع الوقت بقوا يتفرجوا على الأفلام ويصدقوا من غير بحث ولا تأكيد لانهم فى الأول والأخر ناس بسيطة زى ما قلنا يبقا هنا دور السينما طالما بتقدم شئ تاريخى يكون حقيقى من غير تزييف ممكن المخرج يحط وجهة نظره بس ما يغيرش اساس التاريخ ده علشان خاطر وجهة نظره او بحجة انها بتخدم الدراما

  2. فلندع الناس البسيطه جدا تستمتع بالحدوته،فالحقيقه التاريخيه غالبا ستزعجهم، والخلاف حولها سيربكهم، فالعمل الفنى،ليس الفيلم فقط بل العمل الادبى يفهم على عدة مستويات ،نفس الشخص يكون قد قرأ روايه مثلا وهو فى الاعدادى وفهمها، وعندم اعاد قراءتها وهو ف الجامعه اندهش من فهمه الاول لها

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا