الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

ذكرياتي” حينما تحول القصبجي إلى مخرج وسيناريست”

القصبجي

بيني وبين محمد القصبجي علاقة مركبة ومعقدة، فبين الفرحة والسعادة بكل جملة موسيقية قدمها محمد القصبجي في تاريخه، وبين غضب شديد ينتابني عقب سماعها، كيف لتلك العبقرية أن يقيدها حب، ويا ليته كان حبا متبادل ولكنه حب بدون أمل، حب من طرف واحد، في رأيي أن القصبجي لم يكن ملحن عبقري فحسب بل كان مخرج سينمائي، فهو القادر على تحويل اللحن لصور تنهال عليك في كل جملة.

حينما قدم محمد القصبجي مع الست أم كلثوم رق الحبيب، ربما لم يكن يعلم انه يقوم بتلحين درة التاج في مسيرته الفنية، درة التاج التي كانت سببا في تخليد القصبجي للأبد، والغريب أن تلك الدرة تحديدا لحنها القصبجي في أربع ساعات فقط لا غير خلال جلسة واحدة مع أم كلثوم.

القصبجي وأم كلثوم

ولكن يبدو أن القصبجي أراد أن يعطي اللحن العبقري المزيد من البريق، فوضع مقطوعة ذكرياتي في المقدمة، وهنا في رأيي تتجلى عبقرية القصبجي، المقدمة الموسيقية لم تكن فقط زخارف تزين اللحن البديع بل كانت مشاهد درامية تستكمل الصورة الموجودة داخل الكلمات التي كتبها أحمد رامي.

الحكاية التي تدور داخل الأغنية، حبيب هجره حبيبه فترة من الوقت ثم يواعده في يوم ويعطيه موعد للقاء، لتدور الأغنية بعدها في مونولوج غنائي أي حديث مع النفس بين الحبيب وروحه يصف فيها كل ما مر به من أحداث وما يشعر به بعد هذا الوصل الجديد، حالة درامية، أو مونولوج فردي يقدمه شخص واحد.

القصبجي وجد أن اللحن لم يكمل الصورة، أن دراما الأغنية ناقصة للغاية، لذلك وضع “ذكرياتي” التي يمكن أن نقسمها إلى ثلاثة أجزاء، الجزء الأول حيث الإيقاع الأهدى في الموسيقى حيث حالة الشجن والحزن والوحدة وكأنها حالة ما قبل الوصل، ما قبل أن يرق الحبيب، هنا القصبجي يشرح حال الحبيب، بتلك النغمات التي تدعوك ربما للشجن والحزن أيضا.

 

الجزء الثاني حيث الميعاد والوصل أو حينما رق الحبيب أخيرا، تلك النقطة التي يحاول فيها كل من أعاد عزف مقطوعة ذكرياتي أن يضع بصمته دون أن يدرك انه في رأيي يفسدها، مهما بلغة جودة التقاسيم التي يقوم بها، فإنها تفسد تلك اللحظة، اللحظة التي قرر القصبجي أنها لحظة وليست أكثر، نغمات قليلة للغاية قد تشعر أنها متخبطة ولكنها كمرحلة الاستيعاب مرحلة عودة الروح، وهنا يقرر أي عازف أن يضع أفضل ما يمكنه من موسيقي على هيئة تقاسيم فيفسدها تماما في رأيي.

المرحلة الثالثة يعدما رق الحبيب أخيرا، تلك المنطقة الأسرع في المقطوعة، هنا تجد أن كل ما في الحياة يرقص ويغني ويقفز من الفرح بالمعنى الحرفي للكلمة، وقعها على أسماعي يجعلني أريد أن انهض لأخذ العالم بالحضن، التحول من حالة الشجن إلى حالة الفرح الشديدة، التحول من الحزن إلى الانشراح، هكذا ينتقل القصبجي معنا وبنا من حال إلى حال.

ولكن لا تدوم تلك الحالة فيعود لحالة الشجن مرة أخرى والسبب هنا هل سيظل الحبيب أم سيهجر مرة أخرى، هل سيكون لقاء عابر أم سيكون لقاء دائم، ليدخل من تلك الأسئلة إلى الأغنية نفسها لتبدأ الأغنية التي رأينها بروحنا بالكامل عبر جمل موسيقية صاغها عبقري قرر أن يتحول في لحظة من مجرد ملحن قلما يأتي الزمان بمثله على مخرج وسيناريست مخضرم يصيغ حالة درامية في أبدع صورة ممكنة.




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا