الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

“محفوظ السوهاجي”.. أنا مش كافر بس الفقر كافر!

محفوظ السوهاجي

على طريقة مذيعة ما، استجوبت سيدة تقوم بدور مذيعة وكأنها محقق، شابًا “محفوظ” لا يتجاوز عمره (15) عامًا، بشأن اتهامه بالتهريب الجمركي.

هي: جاية من سوهاج لبورسعيد؛ عشان تهرب؟

الولد: آه

الولد السوهاجي (محفوظ) وفقًا للقانون أخطأ وتورط في جريمة لم ينكرها، ولكن؛ متى بدأ هذا الخطأ؟ وهل هو المسؤول الوحيد عنه؟

القائمة بدور المذيعة تلومه وتحدثه عن العيب والحرام واللاقانوني، بينما يحدثها الولد عن “المعيشة” وتوفير قوت الحياة اليومية، فقط.

لكنها تجاهلت أنه كان من المفترض أن يكون هذا الشاب الصغير يواصل حياته التعليمية، لا أن يعمل بأي مهنة؛ لا مهرب ولا عامل نظافة أيضًا، وله الحق في ارتداء ثياب نظيفة والحصول على وجبات طعام ومصروف يومي، كباقي أبناء سنه.

حسب ماجاء بالفيديو فالولد تورط في هذه الجريمة، ساعيًا للحصول على 150 جنيه في اليوم؛ ليرتدي ملابس جيدة ويحمل هاتفًا محمولًا.

بينما كان رد القائمة بدور المحاورة ثابت ولم تتأثر بما يقول “اشتغل في شركة نظافة أو في منطقة الاستثمار… شغل حلال… وهتاخد 50 جنيه”.

معدل البطالة في مصر (10.6%) حتى الربع الأول من 2018، وفقًا لبيان للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مايو الماضي.

نسيت المحاورة أيضًا أن نسبة كبيرة من الشركات الخاصة في مصر تستعبد العاملين بها -إن توفرت فرص العمل- بالطبع.

البداية مع سوء المعاملة والخصومات وزيادة عدد ساعات العمل والمرتبات الضعيفة التي لا تكفي الفرد لا الأسرة، وعدم تقنين وضع العاملين والتأمين عليهم، وطردهم من العمل في الحال، وقتما أرادوا فعلها.

الولد استنكر اقتراحات السيدة “50 جنيه هتكفي أعمل إيه.. أنتي ماحساشي بالناس الخمسين جنيه توكل 3 بنات وأمهم وتكسيهم.. الحالة صعبة!”

تصر القائمة بدور المحاورة على حث الولد في البحث عن مهنة “شريفة”!، وتؤكد له “الحالة صعبة على الكل “.

هي ترى أن أصدقاءه الذين اقترحوا عليه العمل في هذه المهنة هم قرناء السوء، لكنه يرفض أن يتم وصفهم بهذا الوصف سائلًا “أمال نشتغل إيه؟”

نسيت هي الأخرى “المحاورة” أو تجاهلت أن تصوير محفوظ يعد تشهيرًا؟! ولم نعرف حتى الآن ما المغزى منه؟

إلى جانب قصة محفوظ، هناك ملايين القصص التي قد تؤلمك أكثر من قصة الشاب السوهاجي.

أعرف صديقا آخر مقربًا -يكبر محفوظ ببضعة أعوام- رفده مديره من العمل “الشريف” بإحدى الشركات الخاصة؛ فقط لأن الصغير كشف تلاعب المدير المحترم “ماديًا”.

صديقي هذا يعمل أيضًا لمواصلة تعليمه، وللمساهمة في مصاريف بيت أسرته.

لا أبرر لمحفوظ أو لغيره الخروج على القانون، ولكننا بحاجة إلى حياة آدمية بكافة نواحيها.

وأرى أن عدم شعور محفوظ بأنه تورط في عمل خارج عن القانون، مؤشر خطير، لاستباحة أمر غير مشروع.

وأرفض التبرير القائل “ما فيه ناس بتسرق ملايين يعني الملاليم دي هتأثر”.. المسألة تتعلق بمبدأ رفض الخطأ لا بحجمه

لكننا أيضًا بحاجة للرد على سؤال “ما الذي قد يجعل آخرين يتورطون في هذا الفعل؟!”

ربما ينطبق على محفوظ وصديقي ما قاله الموسيقي زياد الرحباني من قبل في أحد أعماله:

أنا مش كافر

بس الجوع كافر

أنا مش كافر

بس المرض كافر

أنا مش كافر

بس الفقر كافر

والذل كافر

أنا مش كافر

لكن شو بعمل لك

إذا اجتمعوا فيا

كل الاشيا الكافرين

أنا مش كافر




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا