الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

أحمد رائف مؤلف البوابة السوداء.. مدح “ناصر” بعد موته ووصف الإخوان بالأوغاد

أحمد رائف

كانت معتقلات الخمسينيات والستينيات في مصر تكتظ بالجميع، لكن الأكثرية كانت من نصيب الإخوان، وبالتالي تعددت كتبهم ومذكراتهم وذكرياتهم عن سجون عبدالناصر، لكن يبرز كتاب “البوابة السوداء” لـ “أحمد رائف”، على قائمة أكثر الكتب المعروفة عن المعتقلات الناصرية، ولم يلق كتاب في أدب السجون شهرة كتلك التي لقيها كتاب “أحمد رائف”.

لم تعرف مصر فكرة “أدب السجون” إلا عن طريق كتاب وراء القضبان للصحفي والمحامي أحمد حسين مؤسس مصر الفتاة والذي صدرت طبعته الأولى سنة 1949 م، ثم تواصلت تلك الكتابات خلال السبعينيات لتصف ما كان يجري طيلة 16 سنة في مصر منذ العام 1954 م حتى وفاة جمال عبدالناصر، ولم تنقطع هذه الكتابات إلى العهد الحالي، حيث أن آخر كتاب كان “الأوردي” لـ “سعد زهران” الذي صدر عام 2004 م، رغم انتهاء كتابته سنة 1979 م.

غلاف كتاب البوابة السوداء
غلاف كتاب البوابة السوداء

أسباب كثيرة جعلت كتاب “أحمد رائف” يلقى شهرةً عن كل كتابات الإخوان وغير الإخوان، فرغم أن بعضها حقق مبيعات هائلة مثل “أيام من حياتي” لـ “زينب الغزالي”، وبعضها تم تحويله لعمل سينمائي مثل “حوار وراء الأسوار” الذي كتبه “جلال الحمامصي” وتحول إلى فيلم “إحنا بتوع الأوتوبيس”، لكن البوابة السوداء كان الأكثر مبيعاً والأوسع تأثيراً، للأسلوب الأدبي السردي الذي يحكيه رائف.

وُلد رائف عام 1940م، حصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ جامعة القاهرة، وعقب تخرجه عمل في شركة القاهرة العامة للمقاولات، ثم جرى اعتقاله  في 25 أغسطس 1965 م، وطاف سجون مصر السياسية آن ذاك، حيث تم إيداعه أولاً في السجن الحربي، ثم معتقل أبو زعبل، ومنه إلى معتقل طرة السياسي ولم يخرج إلا في العام 1971 م.

أحمد رائف
أحمد رائف

بصرف النظر عن اعتراف الإخوان بـ أحمد رائف وخلاف أحمد رائف معهم على الصعيد السياسي، لكن بين السطور تبدو هناك متناقضات رهيبة  ليست في سطور كتاب كتاب البوابة السوداء، وإنما في سطور وثائقه الشخصية التي تكشف تفاوتاً في الآراء بينه وبين ما طرحه في الكتاب، خاصةً وأن تلك الوثائق كانت قبل صدور الكتاب بـ 4 سنوات.

في 22 صفحة هي مجمل الفصل الثالث والعشرين من كتابه تكلم أحمد رائف عن يوم موت جمال عبدالناصر، وكيف استغرب من الرثاء والمديح لـ “صانع الهزيمة والمتسبب فيها”، ناهيك عن تحفظه من ردود فعل الشعب المصري الغريب، الذي يخرج في مليونيات لتشييع جنازة رئيسهم الذي أضاع بلدهم.

خطاب أحمد رائف لجريدة الجمهورية يعرض عليها قصيدة في رثاء جمال عبدالناصر
خطاب أحمد رائف لجريدة الجمهورية يعرض عليها قصيدة في رثاء جمال عبدالناصر

الغريب أن أحمد رائف نفسه هو الذي قام برثاء جمال عبدالناصر بعد دفنه، مباشرةً في خطاب أرسله إلى فتحي غانم رئيس تحرير الجمهورية، وقال رائف في خطابه “رحل عبدالناصر وهو يناضل ويكافح كأعظم ما يكون النضال وأشرف ما يكون الكفاح من أجل مستقبل مشرق، ولعل عزاءنا الوحيد أن الأمة أجمعت على حبه”.

جاءت قصيدة أحمد رائف في رثاء جمال عبدالناصر مكونة من صفحتين بتاريخ أكتوبر سنة 1970 م، وربما يكون التبرير لذلك أن إدارة السجن أرغمت المعتقلين على كتابة قصائد الرثاء في وداع عبدالناصر، لكن  رائف على الرغم من كشفه لتفاصيل كيفية كتابة برقيات التأييد، ذكر وقائع كلها في حياة عبدالناصر من أجل تخفيف التعذيب عنهم، ولم يذكر مطلقاً أنه عُرِض عليه كتابة قصيدة في رثاء عبدالناصر.

قصيدة أحمد رائف في وداع جمال عبدالناصر
قصيدة أحمد رائف في وداع جمال عبدالناصر

باعتراف أحمد رائف في كتابه، توقف التعذيب في المعتقلات بمجرد موت عبدالناصر، وبات المسئولين عن التعذيب قاب قوسين أو أدنى من المحاكمة، وقد تحقق هذا بالفعل بعد 15 مايو سنة 1971 م، وكان أحمد رائف من معتقلي طرة الذين خرجوا وهم يلعنون الضابط فؤاد علام الذي تولى رئاسة أمن الدولة في السبعينيات، والعقيد عبدالعال سلومة ضابط سجن طرة، ووضعهما على قائمة “الجلادين” في ملحقات كتابه “البوابة السوداء”.

خطاب أحمد رائف لـ فؤاد علام يشكره ويمتدح عبدالعال سلومة
خطاب أحمد رائف لـ فؤاد علام يشكره ويمتدح عبدالعال سلومة

لكن خطاب أحمد رائف، لفؤاد علام وهو في المعتقل بعد وفاة عبدالناصر بشهور، يكشف سلومة يكشف موقفاً متبايناً، فرغم أن التعذيب قد توقف بعد رحيل عبدالناصر، لكنه راح في خطابه المكون من صفحتين يمتدح فؤاد علام وعبدالعال سلومة ويصفهما بالرحمة والشهامة، ليس هذا فحسب بل وصف الإخوان المسلمين بـ “الأوغاد” وأن فترة بقاءه معهم كانت ظلمات.

خرج أحمد رائف من المعتقل وفتح دار الزهراء للطباعة والنشر والتي طبع فيها كتابه، وهناك وقع خلاف بينه وبين مرشد الإخوان إزاء قرار رائف بأنه ينوي كتابة مذكراته وطلب منه المرشد أن يتريث، تضايق أحمد رائف، وقال للمرشد هناك مهازل لابد أن تُكْشَف إن فؤاد علام مجرم سفاح قتل خمسة أمام عيني.

خطاب أحمد رائف بتاريخ 24 مارس سنة 1971 م ـ عقب خروجه من المعتقل
خطاب أحمد رائف بتاريخ 24 مارس سنة 1971 م ـ عقب خروجه من المعتقل

الغريب أنه في نفس السياق والمدة الزمنية كان أحمد رائف أرسل خطاباً لفؤاد علام بتاريخ 24 مارس 1971 م، يطلب منه المساعدة والوقوف بجانبه كما اعتاد دائماً بنبل أخلاقه، خاصةً بعد قرب إفلاسه، ونوه أحمد رائف أنه يدعوا الله في كل صلوات الفرض بأن يوفق فؤاد علام في حياته ويمنحه الصحة لأن له أيادٍ بيضاء وجميل لن ينساه رائف !.

هذا وقد توفي أحمد رائف في 27 يناير 2011 بعد معاناة مع مرض عن عمر يجاوز ٧٠ سنة، وشيع عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمون من بينهم المرشد السابق محمد مهدي عاكف من مسجد رابعة العدوية.




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا