الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

أم كلثوم وفيروز .. لا يقارن بين القمم سوى الأقزام

أم كلثوم وفيروز

(1) أنت حر

لديك كامل الحق في أن تحب البامية أكثر من الكوسة، لديك الحرية الخالصة في حب اللون الأبيض وكراهية البني، في الاستمتاع بالمطر في الشتاء وكراهية حر الصيف أو العكس.

أنت حر تماماً في اختياراتك، لكن تذكر أن للآخر أيضاً حريته في اختيار ما يحب حسب شخصه وذوقه، لذلك فاعتراضك عليه فيما يحب وتكره أنت غير مقبول.

ليس هناك ضرورة نهائياً لكي تكون فيروز أسطورة غنائية أن تكون أم كلثوم فاشلة و« بتجعر»، ولن يزيد نجاح ثومة أن تكون فيروز رمزاً للعمق عند بعض « التافهين»، في الفن تحديداً بغض النظر عن البامية والكوسة ليس هناك معيار للقمة، لا تجوز المقارنات المباشرة بل وتبدو ساذجة للغاية.

لم يكن جيفارا أكثر ثورية من عمر المختار، ولا بيليه أكثر مهارة من مارادونا، بل وحتى الكوسة يتذوقها بعض الناس ويعشقونها بطريقة مختلفة عن تذوقهم للبامية، فما بالك بموهبة مرتبطة بالإبداع.

لم تشبه أم كلثوم فيروز ولم تتشبه فيروز بأم كلثوم نهائياً حتى يجوز أن تضعهما في كفتي ميزان، بغض النظر عن أنك حر في أن لا تحب إحداهما أو حتى الاثنتين، لكن ليس من حقك نهائياً أن تقارنهما.

(2) النشأة

نشأة واحدة في عائلة فقيرة في بلد عربي صاحب حضارة قديمة، أم كلثوم ابنة إبراهيم البلتاجي مؤذن قرية طماي الزهايرة في المنصورة، التي كانت تحفظ وتغني القصائد والتواشيح هي وأخوها خالد، والتي أصبح لها جمهور وهي في حدود العاشرة كانت تغني أمامه في بيت شيخ البلد في قريتها.

وفيروز التي ولدت بعد أم كلثوم بحوالي 37 عاماً، والتي نشأت في أسرة فقيرة تعيش على دخل الأب العامل، والتي التحقت بمدرسة القديس يوسف الابتدائية، وظهر نبوغها في أداء الأناشيد المدرسية وأصبحت تغني في الحفلات المدرسية كصاحبة أجمل صوت في المدرسة، قبل أن تنتقل إلى مدرسة المعارف الوطنية ليكتشفها الأستاذ سليم فليفل عام 1949 وهي في 14 ويقنع والدها بأن يلحقها بالمعهد الموسيقي، ثم تبناها فنياً بعد ذلك وألحقها بفرقته الإذاعية.

أما أم كلثوم فكانت بدايتها الفعلية وهي في 16 بعدما تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد اللذين أتيا إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان وأقنعا الأب بالانتقال إلى القاهرة.

وكانت تلك الخطوة الأولى في مشوارها الفني الاحترافي عندما أحيت ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا وأعطتها سيدة القصر خاتماً ذهبياً وتلقت أم كلثوم 3 جنيهات أجراً لها.

البدايات الصعبة لا تهزم المواهب لكنها تشحذها كي تواجه العالم.

(3) رجلان

يمكن أن يؤرخ لأم كلثوم كمغنية ببدء تعاملها مع محمد القصبجي وأحمد رامي في عام 1924، القصبجي الذي كون فرقتها الخاصة، أول تخت موسيقي حقيقي بدلاً من فرقة المعممين التي عملت معها وجهزها فنياً ومعنويا كوالد روحي وعاشق خفي، ورامي الذي التقت به في العام ذاته بعدما سمعها في إحدى الحفلات تغني (الصب تفضحه عيونه) بعد أن عاد من أوروبا، فأدرك أنه قد وجد هدفه، وأعاد تجهيزها ثقافياً وصار الصب الذي تفضحه أشعاره.

أما فيروز التي عرفها رئيس القسم الموسيقي في الإذاعة حليم الرومي بالملحن والشاعر الشاب عاصي الرحباني وتعاون معها هو وأخوه منصور الرحباني بين عامي 49 حتى 55 ، عندما تزوجته.

وكان أول لحن غنته فيروز للأخوين رحباني هو أغنية «غروب»، ثم غنت لحناً بعنوان عتاب والذي كان منطلقاً لشهرتها حيث دعيت إلى إذاعة الشرق الأوسط والإذاعة السورية لتغني فيهما.

في حياة كلٍّ منهما رجلان، أحب أم كلثوم الرجلان ولكنها لم تحبهما فقط صادقتهما وعرفت كيف تستفيد منهما جيداً، أما فيروز فأحبت عاصي وعانت معه كثيراً، وعانت بسببه كثيراً.

(4) المدرسة الغنائية

عظمة صوت أم كلثوم جعلته مدرسة غائية قائمة بذاتها، تتماهى فيه ألحان الملحنين وتصطبغ به، وتدور الألحان في فلكه لدرجة أنها قضت على مشروع القصبجي الموسيقي الرائد في تحويل الموسيقى إلى البطل بدلاً من صوت المغني، وهو ما قدمه مع أسمهان وليلى مراد قبل أن تجبره على العودة لعزف العود خلفها وهي تغني، وقد صاحبت هذه المدرسة قدرة غير عادية على قراءة الحاضر والمستقبل والتطور بنفس الأدوات الشخصية بما يناسب المرحلة.

بل وأضافت تقليداً خاصا بها وهو الغناء المسرحي الدائم والذي صار له عيد في الخميس الأول من كل شهر لدى الوطن العربي بأكمله.

قدرتها المدهشة على الارتجال وضبط أداء الفرقة الموسيقية من خلفها، التفاعل الحقيقي مع اللحن والكلمة واستخدام طبقات صعبة للغاية عند الاحتياج دون تظاهر.

على الجانب الآخر كانت فيروز صاحبة الصوت الأوبرالي الرائق الرائع، التي نجح معها الأخوان رحباني في تقديم نقلة نوعية في الموسيقى العربية، بل وكانت هي السبب الرئيس في نجاح تلك النقلة، والتي قدم معها محمد عبدالوهاب – على عكس أم كلثوم – ألحاناً نوعية للغاية قرر فيها موسيقار الأجيال أن يستفيد تماماً من قدراتها غير العادية وروحها الجموحة الطامحة إلى التجربة، وفارق السن والنجومية العريضة بينها وبين أم كلثوم حين تعامل معها.

هنا اختلفت التجربتان بفعل الظروف، أم كلثوم تصدرت الساحة رويداً رويداً، صنعت مجدها الشخصي من خلال العديد من المؤلفين والملحنين، ويبقى السنباطي ورامي هما الأطول عمراً في التعامل معها، لكنهما يبقيان قمرين دارا في مجال كوكب الشرق.

أما فيروز، والتي تعاملت مع عبدالوهاب وتوفيق باشا وجورج فرح وسليم الحلو ومدحت عاصم، فبقيت أغلب ألحان أغنيها رحبانية خالصة، حتى بعد وفاة الأخوين رحباني والعمل مع ابنها زياد.

(5) النهاية

في النهاية رحلت أم كلثوم منذ ما يقرب من 40 عاماً لكنها بقيت أسطورة غنائية لن تتكرر لها عشاق بالملايين حول العالم، وما زالت بعض المعاهد الموسيقية تدرس صوتها وأداءه وطريقة تطوره، واحتفلت فيوز بعيد ميلادها الـ79 منذ أيام وهي أسطورة حية، يعشقها الملايين حول العالم، ويتعلم من أغانيها آخرون ويحلم بعودتها إلى المسرح ملايين آخرون.

لا تغار القمم من بعضها بحثاً على الأكثر ارتفاعا، فقط بقيت قمماً لا تضاهيها السفوح، وبقي الأقزام يتساءلون عن الأعلى لأنهم ما تعلموا يوماً كيف يرتقون؟




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا