الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

جمال عبد الناصر بعيون توفيق الحكيم في 5 مشاهد

جمال عبد الناصر

“عبد الناصر حبيب الملايين” ..

هكذا أطلق الشعراء والأدباء والكتاب شعاراتهم في فترة حكم جمال عبد الناصر ودار الجميع في فلك تلك الجملة والتي تعني الكثير ، لكن السؤال هل كان الجميع ينافق عندما أطلق تلك الجملة التي لا تخلو من نفاق ومداهنة ؟

الحقيقة أن هناك من كان يقولها عن إقتناع ومنهم من قالها خائفا ومنهم من قالها نفاقا وهو يعي أن حكم الفرد مهلكة مستقبلية ..

إلا أن كاتبا مصريا هاما وهو توفيق الحكيم نظر إلي عبد الناصر نظرة أخري لا تخلو من إعجاب كما يقول ولا تخلو من فلسفة في فكر الحكيم والتي ظهرت في كتابه عودة الوعي ..

بعد وفاة جمال عبد الناصر ، ظهر كتاب عودة الوعي ، والذي هاجمه الناصريون كعادتهم في كل ما يمس شخص عبد الناصر ، وكان هذا الكتاب الذي كتبه الحكيم بمثابة صدمة للقراء ، أن رجلا بحجم الحكيم عاد إلي رشده وتاب وأناب في نظر أعداء عبد الناصر وطبأ وكفر في نظر محبيه ، إلا أنني في هذا المقال سأناقش أفكار توفيق الحكيم وهل كان ميزانه معقول في وصف عبد الناصر أم أنه أنحرف ؟

وهذا سنعرفه بعد عدة مشاهد من حياة عبد الناصر كما يحكيها الحكيم

المشهد الأول: عندما قال نهرو لناصر “تعقل”

يحكي الحكيم أن رئيس وزراء الهند نهرو عندما وجد جمال عبد الناصر في أحد الإجتماعات يعلو صوته ويستخدم حنجرته كعادته في الخطب العصماء التي كان يلقيها فقال له: تحتاج كثيرا إلي الشعر الأبيض ” أي أنه يحتاجإلي التعقل والخبرة والكثير من ابنضج السياسي، ولعل هذا كان في بداية حركة عدم الإنحياز في منتصف الخمسينات، ويركز الحكيم أن تلك الفترة كان الشباب في الجيش هم الذين تحكموا ومجلس التسع عشر هو الذي يحكم دولة بحجم مصر .

المشهد الثاني: عندما تماهي المثقفون في شخص عبد الناصر :

يحكي الحكيم أن جمال عبد الناصر كان ذو جاذبية طاغية ، فعندما يتحدث الرجل ينصت له الجميع ، ولو قال أن الدول الإمبريالية الإستعمارية حفنة من الأقزام فهم كذلك ، ولو قال أن مصر قوية وتستطيع أن ترمي بأعداءها في البحر المالح ،فسيجهزون البحر لذلك وهذه الحالة كما يفسرها الحكيم طبيعية مع الشعب المصري الذي عاني من القرارت الغبية البطيئة التي كان يتخذها الملك فاروق وحكوماته ، وما تميز به الحكم الملكي من البطئ أدي إلي النظر لحنجورية عبد الناصر أنها قرارات قوية شجاعة متدفقة في دماء الوطن فإذا كانت هذه نظرة العوام لمن يحكمهم فما هي نظرة المثقفين ؟

نظر المثقفين كما يحكي الحكيم أنهم تماهوا في شخص عبد الناصر وأصبحوا أدواته التي يستخدمها من الشعر والغناء تارة ومن الكتابات والأدب تارة أخري حتي يحكي الحكيم عن نفسه أنه تماهي في تلك الحالة طوال حكمه تقريبا ، ربما لشعوره أن عبد الناصر يحبه ويجل كتاباته ، فيحكي الحكيم أن عبد الناصر كان دائما يعلق علي كتابات الحكيم ويري فيها قدوة ومنهج للعمل ،فقد أثر عبد الناصر بكتابات الحكيم في الأربعينات عن النظام البرلماني لكن بعد حركة الجيش المباركة والتي سميت بثورة يوليو لم يتقيد بالعمل بها .

يعود الحكيم ليقر في ذات الوقت من تماهي المثقفين مع الحالة الناصرية الطاغية علي المجتمع عامته وخاصته أن نتائج تلك الحالة كارثية ومفجعة وهذا ما حدث بعد ذلك في يونيو 67 .

المشهد الثالث: الحر لا يستخدم الدبابة:

يواصل الحكيم حكيه عن عبد الناصر وعصره ومصره فيحكي طرفا من حكاية سعد زغلول مع الصحفي الذي شنع عليه سمعته ، فكأنه يقارن الحريات في زمان الليبرالية المصرية في عنفوانها وما بعد يوليو 52 ، فيسرد الحكيم حكاية أن سعد زغلول تعرض للإهانة والشتائم من صحفي بعدما ألقي خطبة علي الجماهير وقد كان سعد باشا يتعرض لمعارضة شرسة من خصومه الملكيين وهم كثر في حينها ، لكنه كان يملك لب وعقل المصريين ، فغضب سعد من هذا السباب ورفع قضية علي الجريدة وعلي هذا الصحفي ، لكنه بعد النظر في تلك القضية خسرها ، ليعلق الحكيم  أن سعدا كان حرا كريما ويملك حب المصريين فلا يحتاج أبدا لكسب قضية مثل هذه ، فالحر لا يستخدم الدبابة ..

ويؤكد توفيق الحكيم علي ذات الفكرة ،فيحكي موقفا بينه وبين النحاس باشا ،عنما كان موظفا في الحكومة فقد عارض الحكيم النحاس والوفد وأن الحزب بني شعبيته علي زيف وزور وبهتان ، فرد عليه النحاس دون عنف من جانبه أن الوفد بني شعبيته علي الزيف ، لكنه يكسب الإنتخابات بأغلبية كبيرة وهذا يكفي …

المشهد الرابع: عن محسن الذي خرج من الكتاب إلي العامة ..

مازلنا مع الحكيم وحكيه عن عبد الناصر ، فيحكي أن ناصر كان أديبا لا بأس به ،فكان ينتظره مستقبل جيد إذا قرر أن يكون أديبا ، فيحكي عن قصة كتبها جمال في بداية حياته وكانت تحكي عن الحرية ، وكان بطلها يدعي محسن ، فيواصل الحكيم بقوله أن جمال قرر أن يكون محسن نفسه وأن نفس مباديء البطل خرجت من دفتي الكتاب إلي النور حيث السياسة والعامة ، وأن محسن هذا كان كثير الإنفعال ، مندفع ، محب لوطنه كأي شخص يتوق للحرية ، لكن هل نفذ محسن كل مباديء الحرية عندما خرج من قمقم الكتاب ؟

المشهد الخامس: كتاب فلسفة الثورة وحرب السفارات ..

يحكي أيضا الحكيم عن ناصر أن إندفاعاته وإنفعالاته قادته أن يكتب كتاب فلسفة الثورة في مصر ،وما تطمح إليه ، بل ما سيقوم به جمال عبد الناصر خلال حكمه ، ويري الحكيم أن هذا خطأ فادح يزيد من أخطاء ناصر الكثيرة ، حيث لا ينبغي لسياسي أن يعلن ما يضمره في كتاب وهو علي رأس الحكم ، بل ما زاد الطين بلة هو توزيعه في أوربا ، حيث قامت السفارات المصرية في أوربا بتوزيع الكتاب علي دور النشر والصحف وغيرها ، وهو ما أنتبهت إليه السفارات الإسرائيلية التي أخذت علي عاتقها بالترويج للكتاب بوجهة نظر معادية حيث أطلقت العنان والضوء الأخضر لتشويه سمعة مصر وناصر حيث فرضت وجهة نظر أن هناك هتلر جديد في الشرق الأوسط يدعي ناصر ويدعو لقومية العرب الذين يريدون أن يقضوا علي اليهود ، وهو ما صدقه رجال الثقافة في أوربا ، إلا أن بعض الصحف الفرنسية تلقفت الكتاب من وجهة نظر ثالثة غير المصرية والإسرائيلية حيث حللت شخصية ناصر ونشرت تحليلها الذي خرج بنتيجة مفادها أن الدول العربية تحتاج لظاهرة حنجورية داعية للسلام ولا يفكر في الحرب بقدر ماهو يقوم برد الفعل ولا يبادر به ….




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا