الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

رق الحبيب.. وصراع السنباطي مع شبح القصبجي

رق الحبيب

 

في يوم 17 سبتمبر عام 1944، وقفت أم كلثوم على خشبة مسرح أقيم خصيصا لها ولفرقتها في النادي الأهلي، لتحي حفلها هناك، وهي في جعبته مفاجأة جديدة، ومفاجئات الست ما هي إلا أغنيات جديدة، بالطبع العام 1944، هو عام أحمد رامي ومحمد القصبجي كانت أغلب أغاني أم كلثوم من تأليف رامي بينما تشارك في التلحين في هذه الفترة ثلاثي ثابت وهم زكريا أحمد ومحمد القصبجي ورياض السنباطي.

وقفت أم كلثوم بفستانها ومنديلها في تلك الليل لتغني لأول مرة أغنية رق الحبيب التي كتبها أحمد رامي ولحنها محمد القصبجي، ورق الحبيب ليست مجرد مونولوج غنائي كتبه رامي ولحنه القصبجي وليست مجرد اغنية شهيرة للست ولكنها هي نقطة التحول، الهدف الذهبي الذي حسم معركة الست مع عدد من الأصوات كانت تناوئها العرش وقتها مثل اسمهان والقادمة بسرعة الصاروخ ليلى مراد وبالمناسبة كلهن غنوا للقصبجي وكان هذا نقطة خلاف مستتر بين الست والموسيقار المتيم.

رق الحبيب الأغنية التي حولت ام كلثوم من الأنسة أم كلثوم للست أم كلثوم في رأيي، فما بعد رق الحبيب مختلف عما قبل رق الحبيب، وهي قمة هرم تعاون الثلاثي رامي وقصب وثومة، الاغنية كتبها رامي، وحينما عرضت أم كلثوم الكلمات على القصبجي لحنها في نفس الوقت لم يستغرق تلحين تلك الدرة أكثر من اربع ساعات، جلست فيها أم كلثوم تراقب القصبجي بانبهار ربما كانت تقول في سرها ” الحظ وحده هو من جعل هذا العملاق العبقري اسير حبي وجعله ملك يميني” بينما كان احمد الحفناوي يجلس خارج الصالون يترجى القدر أن يمنحه الفرصة لحضور تلك اللحظة صوت وصورة ولكنه كان اقل شجاعة من ان يقتحم الغرفة والقصبجي يلحن، ربما إذا دخل هرب ذلك الجني الذي سكن القصبجي وقتها.

تلك الغنوة التي لم ولن تمر ابدا مرور الكرام لم يبخل عليها القصبجي بمقدمة موسيقية ربما تكون الأروع على الإطلاق في تاريخ أغاني الست، والمقدمة كما هو معروف هي مقطوعة موسيقية بعنوان ذكرياتي ألفها القصبجي، وقرر وضعها كمقدمة موسيقية للأغنية لتكتمل كأفضل ما يكون.

ولكن هل انتهى الأمر؟ بالتأكيد لا، فور ما انتهت أم كلثوم أكاد أجزم أن الجميع وقف في صمت وانحنى ليس للست ولكن للقصبجي الجالس خلف الست في الواقع وامامها في خياله، فلم يكن منطقي أن يفهم أي موسيقي الست وخروجها من اللحن للارتجال والعودة إليه مرة أخرى دون سابق إنذار إلا رجل يضع عينه في عين الست وهي تغني ولكن القصبجي وحده كان يفهمها دون أن ينظر لها بالأساس.

هنا يأتي السنباطي، الموسيقي الجامح هو الأخر، يوما ما قال صديق، لا اعرف متعة ام كلثوم إلا عبر ألحان السنباطي، ورغم اختلافي الشديد مع هذه المقولة ولكنه يأتي دوما بعد القصبجي كأفضل من قدموا ام كلثوم، وربما خدم الحظ السنباطي وقتل القصبجي حينما قررت أم كلثوم أن يكون عام 1948 هو نهاية التعاون الموسيقي بين الست والقصبجي كملحن، ليرتع السنباطي وحيدا في جنه الست قبل أن تصل للموجي ومن بعده بليغ ولتعوض عقابها للقصبجي وعقاب الشيخ زكريا احمد، قبل أن تعصر على نفسها ” فدان ليمون” وتتعاون مع عبدالوهاب ويأتي سيد مكاوي في النهاية.

السنباطي الذي صار يغرد وحيدا تقريبا في دنيا الست منذ عام 1948، كان بداخله حلم، حلم موسيقي هام للغاي بالنسبة له، حلاوة وتكامل رق الحبيب صارت عقدته الموسيقية وعليه ان يكسرها الأن أو ستظل للأبد، ولكن كيف يكسرها كيف يتجاوز نجاح وعبقرية رق الحبيب كيف؟ هذا السؤال يأتي بإجابته احمد رامي كالعادة.

“غلبت أصالح في روحي علشان ما ترضى عليك” تلك افتتاحية الأغنية الجديدة التي سيلحنها السنباطي للست عام 1948، الأن نكسر العقدة، ولكن السنباطي كان شابا وقتها، لم يكسرها ولكنه أكدها، اكدها بمقدمه موسيقية بها طعم ورائحة محمد القصبجي، طعم ورائحة رق الحبيب، القصبجي شبح يسيطر على السنباطي وهو يلحن غلبت أصالح في روحي، ولعل الست نفسها ابتسمت في قرارة سرها وانحنت للقصبجي.

اغنيتان من ألحان السنباطي دائما ما اسأل هل لحنهم القصبجي للست من الباطن وجعل السنباطي يقدمهم لها على اعتبار أنها من ألحانه، ولكن تلك الحركات الصبيانية لا تصدر من السنباطي أو القصبجي، الإجابة الوحيدة ان رق الحبيب كانت قد تسللت لمسام رياض السنباطي تماما واستحوذت على تفكيره وأفكاره وحتى أحلامه ليعيد نفس الامرة مرة أخرى بعد أربعة أعوام.

عام الثورة، 1952، رامي من جديد كالعادة، يناجي ثومة في أغانيه، والقصبجي مغضوب عليه، ورياض السنباطي هو الأكثر عملا مع الست، تبلورت شخصية السنباطي الموسيقية وتجاوز النضج ليقف على حافة التعملق، ما يمنعه من الوصول لتلك الحافة عقد 1944 رق الحبيب، رامي يكتب ” جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح” ليتنقل السنباطي لمرحلة التلحين.

لماذا يزور شبح القصبجي عود السنباطي؟ تلك الازمة لابد لها من حل، يبدو ان يد وعقل وروح القصبجي هي من تلح مره أخرى والسنباطي لا يستطيع سوى أن يضع بعضا منه داخل اللحن القصبجي قلبا وقالبا، لتعود خطيئة 1948 للظهور مرة أخرى، خطيئة تفضحها المقدمة الموسيقية لجددت حبك ليه؟

ربما جاء بشيخ أو أطلق العنان للزار وصناعه في صومعته لكي يتخلص من شبح القصبجي وحبيبه الذي رق، ولكن ما فعله السنباطي قد جاء بالحل، فرحل الشبح وحلت العقدة وتفرغ السنباطي لسنبطت ألحانه بعيدا عن الحبيب ورقته والقصبجي يجلس خلف الست ليعزف ألحان كل من هب ودب وهو قرير الضمير نوعا ما، فمهما بلغ اللحن من العظمة تقف رق الحبيب من أعلى تنظر لكل الألحان نظره رضا فهي الجالسة أبدا ودوما على العرش فهي التي ” من كتر شوقها سبقت عمرها”.




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا