الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

سوبر زيرو .. صفر اليدين

سوبر زيرو

كنت دائم التلصص علي تلك اللحظة المليئة بالخصوصية برغم تحذيرها لجميع من في الدار بعدم الاقتراب من الغرفة الصغيرة المنزوية الخاصة بها. إنها جدتي بعد كل صلاة في خلوتها كانت دائمة الدعاء “اسأل الله ألا تخرجنا من هذه الدنيا صفر اليدين”، قبل أن تنطلق في بكاء حار ممزوج بنهنهة طفل رفضت أمه شراء اللُعبة المنورة في الفاترينة للتو.

ولكن بحُكم الدلال الغير عادي التي كنت أتمتع به لكوني قادم في زيارة مخصوص من البندر للقرية فكانت تتقبل مني أي تصرف بكل رقة ودلع، وأتذكر يوم لمحتني واقفًا متسمرًا خلف باب الخلوة حيث كانت تنهنه بعد أن دعت الله “أسألك ألا تخرجنا من هذه الدنيا صفر اليدين”، ثم بادرت بمسح دموعها بطرف الخمار وقالت بأنف مُحمرة:

تعالي هنا يا مزغود هو أنا مش قولت ماحدش يقرب من هنا

أقتربت :

  • والله أنا كنت بشوف بس الـ الـ .. (لعثمة)

فحسمت الحوار :

تعالي يا اخويا، واقف زي الحرامية هناك كده بتعمل ايه

فباغتها:

  • يعني ايه صفر اليدين؟

فابتسمت ابتسامه خفيفة وامسكت بيدي فقلقت فهدأت من روعي بابتسامة أخري ورفعت يدي حيث وضعية الدعاء ، وأخبرتني أن اليدين المرفوعين دول لا يكسر الله خاطرهم لو أن الدعاء من القلب واستحالة ينزلوا بصفر بعد طلوعهم، فسألتها بغته: طب ولو واحد إيديه مقطوعة ؟

فبرقت ونظرت حولها في كل الاتجاهات : هو فين الشبشب ؟، فأخذت المسافة من عندها للباب بسرعة كرستيانو رونالدو قبل أن تلبس فردة شبشب قديمة في رأسي من الخلف بخلفية صوت منتصر : ودي عشان اللماضة يا خفيف!

وبعد أن دخلت الجامعة ظل التفسير الذي فسرته ستي لهذا الدعاء غير كافي وغير مشبع لعقلي الذ ظننته بدأ ينضج فسألت رجلًا عُرف بالحكمة والتجلي فأخبرني أن المعني الضمني للدعاء هو أن لك يدان واحدة للدنيا والأخري للآخرة فما بالك بأن تخسر الأثنين؟

ولكني تيقنت بعد ذلك أن المعني الأعمق للدعاء هو أنك تناجي الله بألا تخسر وجهي العملة التي حددت مسار البني آدم، أن تخسر السعي والنتيجة، أن تفقد الجلد والسقط، ألا تذاكر ولا تصل لدرجة النص الكافية للنجاح، ألا تبيع السيارة لتضارب في البوصة فتخسر السيارة والمضاربة في البورصة، أن تذهب مثلًا إلى كأس العالم بروسيا فتفشل إداريًا وتفشل فنيًا علي أرضية الملعب.

وعرفت وقتها لماذا كانت تبكي من قلبها، الأمر حقًا كارثي، حتي مجرد تخيله كارثيًا!

وفي ساعة صفا أخبرت صديق لي كان يعمل بالتجارة ويعشق تلخيص الكلام بدون لف ودوران وبعد محاولة شرح تفسيري له وجدته تاه في الفراغ وأسكتني : ينهار أسود ! يعني أطلع من المولد بلا حمص!

فلم أجد بعدها تفسير أبلغ من هذا ( من المولد بلا حمص)، فاللهم لا تخرجنا من المولـ…. أقصد اللهم لا تخرجنا من هذة الدنيا صفر اليدين ! رحم الله جدتي!




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا