الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

كلنا حلا شيحة

كلنا حلا شيحة ... كلنا حلا شيحة .. كلنا حلا شيحة

تسير بنا الحياة لأكثر من وجهة إذا كنا نفكر ونبحث عن الحقائق، هؤلاء من يرفض عقلهم النشط الوقوف عند حد معين من التفكير وحقيقة ما اعتقدوا فيها وظنوا أنها الحد الأخير الذي سيقفون عنده، وكلما مرت الأيام ادهشتنا بتغير الناس وعدولهم عن قناعات استماتموا في الدفاع عنها.

ما فعلته حلا شيحة لم يكن في نظري سوى سنة من سنن الكون وهي التغيير الذي لا يستطيع الناس تقبله أيًا كان، هذا التغيير الذي طرأ عليها بشكلٍ معاكس منذ سنوات عدة فتعجب الجميع أيضًا واطلقوا عليها الأحاكم ووضعوها في أكثر من قالب.

عندما قررت حلا الانسحاب من الأضواء وارتداء النقاب كنت صغيرة لم أفهم سوى ما قالته في حديث هاتفي بقناة الناس عن أنها الآن تشعر بسلام نفسي وفضلت حياة هادئة بعيدًا عن صخب الشهرة وتحدثت عن قربها من الله الذي لم أربط بينه وبين ملبس معين، فقط تمنيت أن تكون سعيدة طالما لم تتطاول على أحد وتتكبر على زميلاتها أو تتطعن في الفن.

ما فعلته حلا لم يبعتدعن تخبطاتنا ولحظاتنا التي تتحول لسنوات عند البعض في التفكير ومراجعة قراراتنا المصيرية، كنت أعلم هجوم الناس هذه المرة سيصبح مُختلفًا، فهي ليست جارتك التي قررت بعد سنوات عديدة نزع النقاب ثم الحجاب فتعجبت لوهلة ثم اكملت طريقك لتلحق عملك صباحًا؛ فهي ممثلة من عائلة فنية و أخر منشوارتها بحسابها الشخصي برمضان الماضي كان عن تمسكها باختياراتها الأخيرة لأنها تشعر بلذة القرب من الله بهذا الشكل.

قرارها كان مفاجأة للجميع ومع الأسف فقد وضعت نفسها بالسنة الأخيرة في قالب ليس لها كإنسانة تقترب لدور الداعية التي تحاول أن تثبت أقدام الناس على طريق الحق الذي وصلت إليه، فكانت صدمة متابيعها وهجوم بعضهم عليها متوقعة للغاية؛ فالجميع يحب أن يرى هذا النموذج الذي سيرجع إليه في الدين ليثبته على حقيقة ما يراها حتى يظن أنه ولي ما ونبي الفترة الجديدة وينسوا أن رياح التغيير تمر بنا جميعًا.

حلا أصبحت طرفًا في حرب بين فئتين لن تنتهي، العلمانيون والسلفيون المتشددون الذي يحسب كل فريق منهم أن خلع الحجاب أو ارتدائه من فنانة نصرة لمنهجه، ولعل ما يؤلمني أكثر هو ربط الدين كله بالحجاب والحديث عن نصرة الإسلام مع قرار أي فنانة ارتدائه وكأن الإسلام سيزيد رفعة وشأنًا بحجاب إحداهن! وأن الله أنزل منهجه للمرأة دون الرجل.

كلنا حلا وسترى من حولك من خلعت الحجاب وهم كُثر، ومن خلعته ورجعت إليه فازداد تعجب من حولها، ومن ارتدت النقاب فجأة، ومن ارتدت الحجاب أو تريد ارتدائه ويهاجمها البعض لأنه غير متوافق مع قناعات العائلة وقد رأيت هذا بنفسي.

كلنا حلا لأن هذا المجتمع أراد لنا النفاق فضغط علينا منذ الصغر بالملصقات عن أن الغلاء يرتبط بحجاب النساء فحملهن فوق طاقتهن، وأن الشر كله بالعالم والفتنة أنثى بداية من حواء، وكان الخطاب الديني لا يهتم هذا الاهتمام بالصلاة مثلًا، أو يربط بين الحساب والصلاة كما كانوا يكتبون الحجاب قبل الحساب على الرغم أن الصلاة من أركان الإسلام الأساسية!..وكان يغض الطرف عن ذنوب الرجل ولا يتحدث عن غض البصر من جانبه تقريبًا الذي جاء بسورة النور الذين يكررون دائمًا أن الله بدأها بــ:

((سورة أنزلناها وفرضناها))

كلنا حلا لأن هذا المجتمع لم يخيرنا بشكلٍ حقيقي لسنوات طويلة، جعلنا في صراع دائم بين الملبس والجنة وإرضاء المجتمع. الفتاة التي لم تكن ترتديه كانت تصادف جماعات تبشيرية بالجامعة والمدرسة ومن الأهل والجيران تضيق عليها الخناق بتكرار النصح وربما الاتهام بقلة الإيمان والأخلاق فأصبحت أشكال بعض الفتيات تثير التساؤلات التي بالفعل يطرحها الأجانب أصدقائي من المسلمين وغيرهم عن حجاب الموضة الذي يتناسب مع الشكل المجتمعي ويغلق أفواه هؤلاء ويرضي من ترتديه بشكل أو بآخر.

ارتديت طرحة طويلة لسنوات بالجامعة وكنت أسمع نفس الهجوم بشكل مختلف بالرغم أنني اخترت هذا الطريق دون ضغط من أهلي، بل عارض البعض منهم أسلوبي الجديد وشكلي، وعندما شعرت بارتياح أكبر مع الوقت لارتداء ما ارتديه الآن سمعت نفس الهجوم من نفس الأشخاص أو من غيرهم، وقصصنا جميعًا لن تكون بعيدة عن هذه القصة، فالهجوم لن يتوقف والأحكام والمضايقات.

يسعدني أن الناس لا يملكون مفاتيح الجنة والنار وإلا كان مصيرنا محتومًا لقسوتهم التي تزداد بمرور الأيام، يخرج علينا أحد الشيوخ ليبلل لحيته بالدموع وينقل لنا مكالمة كاملة بينه وبين زوجها ليلخص هذه القضية التي لا نستطيع اختزالها في الدين.

يكرر أن عرض المرأة في الحجاب ويكرر ردة فعل زوجها واستهجانه وكأن المرأة لا تملك عقلًا يقودها لاختيار، وكأن زوجها مازال المسؤول عن قرارتها التي تسود أو تبيض وجهه أمام الأصدقاء، وكأن هذا الفيديو بتفاصليه ونقل أسرار الناس سيساعدها بالفترة القادمة أيًا كانت أو سيصلح زواجها.

كلنا حلا فلا تجعلوا القسوة هي العنوان الوحيد بيننا، واجعلوا الرحمة جسرًا للتواصل لعلها المُنجية من كل ما نعاني منه من ظروف وضغوط كبيرة ودعوا الخلق للخالق والتزموا السلام من الله السلام وادعوا للناس بالخير.

 

 




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا