الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

قصة الوهابية (1) | المرأة التي ساهمت في تأسيس السعودية وظهور محمد بن عبدالوهاب

قصة الوهابية

لولا «الجوهرة بنت عبدالله بن معمر»، ما كان لتاريخ  الوهابية أن يبدأ، وما كان لـ «محمد بن عبدالوهاب» أن ينجح في حياته الشخصية والأُسَرية، بل ولولاها ما لـ «محمد بن سعود» أن يبقى على قيد الحياة.

مفارقة قد تبدو عجيبة أن تكون هذه المرأة قد أنقذت حياة «محمد بن سعود» وأوصلته إلى حكم الدرعية التي ستكون نقطة ترعرع الدعوة الوهابية ، وبعد إنقاذها لحياته بـ 14 سنة تتزوج من «محمد بن عبدالوهاب» والذي سيتفق مع «محمد بن سعود» على تأسيس الوهابية بعد وصوله للحكم بـ 19 سنة، وتعتبر هذه المرأة هي الأساس في التاريخ الوهابي، والعجب أنه لا توجد سيرة ذاتية كاملة لها تليق بدورها في حياة «محمد بن عبدالوهاب»، والذي لا يقل أهميةً في تاريخ «محمد بن سعود».

«العيينة» و «الدرعية» قصة الصراع الأبدي

الدرعية
الدرعية

كان بإقليم نجد بلدتان هما طرف أي تغيير وصراع يحدث دوماً بالتاريخ النجدي أو تاريخ الوهابية، الأولى هي «العيينة»، مسقط رأس «محمد بن عبدالوهاب»، وتقع في وادي حنيفة بمنطقة العارض وسط نجد، وتبعد عن الرياض بـ 35 كم، أما الثانية فهي بلدة «الدرعية» التي حكمها «محمد بن سعود» عام 1726 م، وتقع في منطقة اليمامة جنوب نجد وتبعد بـ 20 كم، عن الرياض.

العيينة
العيينة

كانت «العيينة» ملكاً لقبيلة «آل يزيد» المنتسبين إلى بني حنيفة من بكر بن وائل، وظهر على الساحة القبلية «حسن بن طويق بن ملحم»، وجعل حكمها موجوداً في «آل ملحم»، ثم تغير اسم العائلة ليكون منسوباً إلى «معمر بن حمد بن حسن بن طويق»، ويكون «آل معمر» هو اسم القبيلة التي تستأسد بحكم هذه البلدة.

أما «الدرعية» فيبدأ تاريخها عندما هاجر «مانع المريدي» بلدة الدروع من أعمال القطيف في منطقة الإحساء، تلبيةً لطلب ابن عمه المسمى بـ «درع»، وكانت «الدرعية» مجرد خرابات لكن مقارنة بحال بلدة «الدروع»، كانت أفضل.

منشآت الدرعية
منشآت الدرعية

سكن «مانع المريدي» هذه الخرابات وأحدث طفرة فيها وعمرها ثم سماها «الدرعية» سنة 1446 م، نسبةً للبلدة التي هاجر منها، وبدأ حكم «آل مانع» للدرعية من أولاده حتى وصل الحكم لحفيديه «ربيعة» و «مقرن»، وكان الأخير جداً لـ «سعود بن محمد».

حروب البدو - رسمة تعبيرية
حروب البدو – رسمة تعبيرية

البلدتان وكبار عواقل شيوخها ورثوا الكره، نتيجة للمناوشات التي كانت تحدث بينهما بين حين وآخر، منذ أن بدأ «ربيعة بن مانع المريدي» توسعاته وضم أراضي «آل يزيد» في العيينة إلى جعبته، وظل الكره بين البلدتين والقبيلتين موجوداً ولم يتغير حتى بتغيير أسماء العائلات، واستمر هذا الكره موجوداً بين حكام «العيينة» و «الدرعية» طيلة قرنين حتى وصل إلى العام 1726 م، بطاعون انتشر في «العيينة» فأهلك أراضيها ووديانها ورجالها وحتى حاكمها عبدالله بن معمر.

وساطة «الجوهرة» تنقذ مؤسس الدولة السعودية الأولى

قصر سلوى - مقر حكم الأسرة السعودية الأولى
قصر سلوى – مقر حكم الأسرة السعودية الأولى

المراقب لحال «العيينة» كان «زيد بن مرخان» والذي كان قد تولى الحكم بعد «سعود محمد بن محمد» ثم عُزِل عنه بسبب ضعفه حتى عاد الحكم له بعد قتل «مقرن بن محمد بن مقرن» على يد «محمد بن سعود» بسبب غدر «مقرن بزيد بن مرخان».

ظن «زيد بن مرخان» حاكم «الدرعية» أن نظيره في «العيينة» «محمد بن حمد بن معمر» المعروف بـ «خرفاش»، حاكماً ضعيفاً لا يقل ضعفاً عن البلدة التي يحكمها، ولئن كانت خرجت من أحضان ملك الموت بعد الطاعون، فلن تخرج عن حرب الاستيلاء عليها بالسيف.

أعلى قصر آل معمر
أعلى قصر آل معمر

قرر «زيد بن مرخان» شن حرب لا رحمة فيها على «العيينة»، فجمع الكثير من الرجال واتفقوا على نهب البلدة وتحركوا إلى هناك، فعلم بأمرهم «خرفاش» وقرر أن يتفق معه برسالة سياسية قال له فيها “لماذا تريد إشراك هذه الجموع في نهب العيينة، دعهم وأقبل إليّ وأنا أعطيك ما يرضيك”.

لم يورد المؤرخ «حسين خلف الشيخ خزعل» في كتابه «حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب»، تبريراً لتصديق «زيد بن مرخان» لهذه الرسالة التي ذكر نصها، غير أن العلة الوحيدة التي تبدو منطقية هي أن «زيد بن مرخان» صدق هذه الرسالة لظنه أن «خرفاش» يخاف الموت.

وصل «زيد بن مرخان» إلى «العيينة» ومعه 40 رجلاً من أخلص أتباعه وعلى رأسهم «محمد بن سعود»، واستقبلهم «خرفاش» استقبالاً يدل على حفاوته واحترامه لهم والذي فسروه هم بالخضوع وإظهار ماء الوجه قبل الاستسلام.

تطور استخدام السلاح في نجد
تطور استخدام السلاح في نجد

بقي «خرفاش» مدة من الوقت مع ضيوفه ثم غادر استعداداً لتقديم فروض الطاعة، وبمغادرته للبيت حل ملك الموت مكانه، حيث خرج رجاله بالبنادق ونفذوا فيهم مقتلة لم ينجو منها سوى «محمد بن سعود» وآخرون، واحتموا في مكانٍ بالبيت ولم يغادروه أحياءاً إلى الدرعية  إلا بواسطة «الجوهرة بنت عبدالله بن معمر» عَمَّة «خرفاش» سنة 1726 م، وزوجة «محمد بن عبدالوهاب» بعد هذا الكمين بـ 15 سنة.

مفارقات أخرى غير الإنقاذ و الزواج

رغم أن كل مؤرخي الوهابية اعتمدوا هذه القصة، لكنهم لم يتطرقوا إلى مدى سطوة المرأة في المجتمع البدوي، لكن يبدو أن «الجوهرة» أرادت منع الثأر من باب ـ تحميل الجمايل ـ ، أو بمعنى أدق توهمت، فهي لم تكن تدري أن عرش «آل معمر» سيزول بعد سنوات من تصرفها هذا على يد من أنقذته وحليفه الذي تزوجته.

منزل محمد بن عبدالوهاب
منزل محمد بن عبدالوهاب

لم يكن إنقاذ «الجوهرة» عمة «خرفاش» لـ «محمد بن سعود» وزواجها من «محمد بن عبدالوهاب» هي المفارقة الوحيدة في هذه الحادثة، بل هناك مفارقة أخرى وهي انتهاء العلاقة التي ربطت بين «خرفاش» و الشيخ «عبدالوهاب بن سليمان» والد مؤسس الوهابية بعد هذه الحادثة بسنة واحدة، وكان «خرفاش» من أعتى حكام «العيينة» لمدة 13 سنة، وأحدث فيها طفرة مقارنة بأسلافه، وظلت «العيينة» قوية حتى مات مقتولاً على يد آل نبهان من آل كثير.

أقدم قسم شرطة لحبس المحكوم عليهم قضائياً في العيينة
أقدم قسم شرطة لحبس المحكوم عليهم قضائياً في العيينة

من ضمن علامات الطفرة هو الاهتمام بـ «القضاء» ولم يكن يكن إقيلم نجد يعرف ماهية «القضاء» ولم يكن أهلها من الذي يحترمون القاضي كاحترامها لنظام «العارفة» وهو الرجل العارف كبير السن الذي يحكم ويفصل في شئون القبائل.

أطلال منزل والد محمد بن عبدالوهاب
أطلال منزل والد محمد بن عبدالوهاب

أراد «خرفاش»  تغيير النسق فجعل لقاضي «العيينة» الشيخ «عبدالوهاب بن سليمان» مكانةً مرموقة في «العيينة»، وربما أراد من ذلك أن يكون شيخاً للسلطان، لكن الخلافات دبت بينهما كرجل دين وشيخ قبيلة، فقرر خرفاش نفي أسرة الشيخ «عبدالوهاب» إلى بلدة «حريملاء» المدينة التي اشتق اسمها من نبات الحرمل المنتسب لفصيلة الغرقد، والتي ساهمت في التأسيس العلمي و النفسي لـ «محمد بن عبدالوهاب» .




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا