الكبيرة : رشا الشامي

المعلم : أسامة الشاذلي

طلّع يا ابنى الساندوتش ده مكتبى

كثيراً ما اعتقدت أن للأرقام دلالة وأن الأسماء تصنع يقيناً، وأن من شأن المقارنات أن تظهر فوارق تخرجنا إلى رحابة منهج جديد أو اقتباس ربما يزن معادلاتنا، لكنى اليوم لست بلياقة تسمح بالتدقيق والإحصاء، أنا بكامل لياقة الشجن، بكامل لياقة الحكايات. كنت فى الصين مطلع رمضان الفائت بدعوة من أصدقاء، وغير المعالم السياحية والسور العظيم مررت بأحد أكبر مراكز أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية بالعالم ويتبع المركز الأم بالولايات المتحدة، تخصص المركز فى علاج أورام المخ والأعصاب لذلك كانت الصين بمحددات الطفل الواحد البيئة الأمثل لعمله بالحصول على الأجنة الساقطة عن الإجهاض، وتجاوزاً عما تنازعنى حينها بين استغلال أجنة لا أمل فى بقائها لتضييق القوانين وبذل كثير من الجهد للإبقاء على حياة آخرين، أعود إلى قصة الزيارة وأول مرورنا كان بقاعة الاجتماعات وكان أول من صافحت أمريكياً متعجرفاً، هكذا ظننت وهكذا كان المدير ومقعده على رأس الطاولة وحوله جلس آخرون وأمامه شاشة عرض ومقاعد تنتظرنا، وُضعت أمامها أوراق تُعرِّف عن الموجودين وعن الزيارة.. بدأ المدير الأمريكى بتقديم الأساتذة حوله ومساعديهم ثم أعطى نبذة سريعة عن المركز وعمله وتبعته متخلياً عن عجرفته لينقل الحديث للعلماء إلى جواره ليقدم أحدهم نماذج علاج بالخلايا الجذعية الجنينية لمريض تصلب متعدد وآخر قُطع حبله الشوكى جراء حادث وآخر حدثنا عن تجربته الفريدة فى علاج ورم المخ بزرع وعاء قرب الورم داخل المخ وسكب العلاج الكيماوى داخله! دارت بيننا مناقشات شارك فيها الجميع، وكثيراً ما وجهت سؤالى الأول لمدير المركز ليجيب بأنه ليس المعنى بالإجابة مشيراً لغيره أو أنه لا يعرف! خُيرنا بعد ذلك بين زيارة المرضى خاصة أن من بينهم عرباً ومصريين أو الغداء، وبدأنا بالزيارة بعد الاستئذان وكنا نتجول بمساعدة أحد الباحثين الصغار فيما عاد العلماء إلى معاملهم وعاد الأمريكى لـ«عجرفته»، مؤكداً أن وقت غدائه قد حان، حين لحقنا به كان يأكل فى صحن واحد طعاماً نباتياً ويجلس فى كافيتيريا كانت أقرب إلى مكتبة من كثرة ما علت رفوفها الكتب، انتهت الزيارة بإقراره بفرصهم المستحيلة بمنطقتنا العربية لموقفنا الدينى من الإجهاض، رغم ذلك ظل موعد العشاء مقرراً وكان.. منذ أيام قليلة ذهبت مدعوة ضمن إحدى المؤسسات الداعمة للعلم لأحد أهم المراكز البحثية التابع لإحدى الوزارات.. اجتمعنا بمدير المركز، كان يجلس أيضاً على رأس الطاولة وحوله معاونوه وشاشة عرض ومقاعد لنا دون أوراق تقرب بيننا وبينهم المسافات حتى إنى لا أذكر أسماءهم، تحدث المدير عن كل شىء وعن الأقسام كافة وتباهى بحصوله على حصة مضاعفة من ميزانية الدولة لصالح مركزه، لم يتحدث أحد سواه.. أكد على دور شباب الباحثين وقال إنهم المستقبل، ثم حجبهم عنّا! أراد بتعجيل مرورنا على أقسام المركز وأردنا دقائق للمناقشة وبإلحاح كانت لنا دقائق تلقينا فيها الركلات تلو الركلات من أنتم وماذا تريدون ولصالح من؟ ثم انتقلنا فى جولة كان حضور المدير فيها مشتركاً بكل الصور.. رأينا شباباً لم يكمل عددهم أصابع اليد ولم نخالطهم، وجاء وقت الغداء.. توقعت أن يكون ذلك متقناً؛ فنحن نجيد «الطبخ» أكثر، جلسنا إلى طاولات جمعت جوار بعضها البعض أمام كل واحد منا «كيس» به «ساندوتشان»، من أحد محال الوجبات الأمريكية السريعة ومشروب غازى! جلس المدير بمنتصف الطاولات وانتهى من «الساندوتش» الأول ثم لوّح بيده حاملا «الكيس بالساندوتش المتبقى» لأحد العمال -ونحن من حوله- وقال «طلّع يا ابنى الساندوتش دا مكتبى أنا مش عارف إيه إلى شرّبنى حاجة ساقعة وأنا مبحبهاش»!




 تعليقاتكم

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*

احدث الافلام حصريا ومجانا